هناك تلازم أبدي بين الحضارة الإسلامية والعلم فمنذ نزول أول آية من القرآن في سورة العلق:{اقرأ باسم ربّك الّذي خلق} حث الدين الإسلامي على العلم ورفع شأن العلماء والمتعلمين وغدا طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.
المسجد النبوي – أول مدرسة إسلامية وتربوية للجميع
عندما هاجر الرسول محمد (ﷺ) إلى المدينة المنورة بنى الرسول (ﷺ) المسجد النبوي مع أصحابه الكرام ليكون بيتًا لعبادة الله ومدرسة علمية فكانت تُعْقَد فيه حلقات العلم، وكان فيه عِدَّة زوايا يتَّخِذُها الطلاب للنسخ والدرس.
ويعد المسجد النبوي أول مدرسة في التاريخ الإسلامي فيها نزلت دروس الوحي غضة طرية تلقاها صحابة رسول الله بالقبول والتسليم وتخرج فيها كبار العلماء على يد المعلم الأعظم محمد (ﷺ).
حلقات المساجد وبداية العصر الذهبي
ارتبط تاريخ التعليم في الإسلام بالمسجد؛ فهو المركز الرئيس للتثقيف، وهو أحد أهمِّ دور التعليم.
وكانت حلق العلم في المسجد بمنزلة نظام التعليم العالي في وقتنا الحاضر، وقد كانت كل طوائف المجتمع الإسلامي حريصة على الإقبال على العلم، حتى المجتهدون والعلماء وعِلية القوم منهم كانوا يُقبلون على هذه الحلق.
وقد كان للصحابة حلقات للعلم في المسجد النبوي؛ منها حلقة عمر بن الخطاب في مسجد المدينة وكانوا يتدارسون فيها فضائل القرآن، وكان لأبي هريرة حلقة في المسجد النبوي يُعلِّم فيها الحديث، ومن الحلقات المعروفة آنذاك في المسجد النبوي حلقة الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري وحلقة البراء بن عازب، وكذلك كان لمعاذ بن جبل حلقة شهيرة في مسجد دمشق.
وكانت أشهر الحلق في المسجد الحرام لحبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وكانت هذه الحلقة بعد موته لعطاء بن أبي رباح.
ولم يكن ينظر لسن المعلم في هذه الحلقات، إنما كان ينظر لفقهه وعلمه، ومن الحلق التي كانت تشد إليها الرحال حلقة نافع بن عبد الرحمن القارئ في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان طلاب العلم يؤمونها من بقاع العالم الإسلامي كافة؛ لقراءة كتاب الله ومدارسته، ومن أشهر طلاب هذه الحلقة الإمام ورش أحد القراء المشهورين.
ويحكي الإمام أبو حنيفة النعمان عن ذهابه لحلقة عبد الله بن جزء الزبيدي صاحب النبي (ﷺ) في المسجد الحرام وكانت من الحلقات العظيمة.
وفي مسجد بغداد كان هناك ما يزيد على أربعين حلقة، ثم جمعت في حلقة الإمام الشافعي لعلمه الغزير، وفي مصر كان الإمام الشافعي يلتقي مع طلابه في مسجد عمرو بن العاص.
وقد اشتهرت حلق الإمام أبي الوليد الباجي في أنحاء الأندلس، بعد رحلته إلى المشرق؛ حيث أصبحت له شخصية المحدث الحافظ، وتأهل بحق ليكون إمام المحدثين بالأندلس ثم استوطن مدينة (ميورقة) ودرس العلم بها وبإشبيلية، وقرأ الموطأ بمرسية، وسمع منه الجم الغفير صحيح البخاري في غيرها من المدن الأندلسية.
جامعة القرويين – أول جامعة في العالم
جامعة القرويين تعد أقدم جامعة في العالم، وقد سبقت الزيتونة بتونس، والأزهر بمصر، كما أنها تعد أقدم من جامعات أوروبا بمائتي عام إلا تسع سنين.
بنتها فاطمة الفهرية (أم البنين) في عهد دولة الأدارسة في رمضان من سنة 245 هجرية(30 يونيو 859) ميلادية بمدينة فاس بالمغرب.
كانت الجامعة مسجدا في البداية فلما زاد إقبال مريدي العلم عليها اضطروا أن يوسعوا مساحة الجامع إلى أن صارت أحد أكبر وأقدم المؤسسات العلمية في الحضارة الإسلامية
يمتد الإشعاع العلمي للقرويين منذ العصر الإدريسي إلى وقت الناس هذا، حيث لم يقتصر التدريس على العلوم الشرعية، بل اتسع ليشمل باقي علوم الحياة والعلوم العقلية والطبية. واشتهرت فاس وجامعها بالعمق العلمي، حتى شاعت بين علماء فاس مقولة أن: “العلم ولد بالمدينة، وربي بمكة، وطحن بمصر، وغربل بفاس”. وانتشرت في أرجاء القرويين كراسي العلم وخصصت لها أوقاف، واعتبر كرسي العلم في جامعة القرويين ولاية حكومية عليا كالوزارة والقضاء والفتوى.
عرفت جامعة القرويين بنظام الكراسي العلمية المتخصصة التي جعلت منها جامعة متعددة الدراسات، وقد كان الطلبة -ولا يزالون- يتحلقون في حلقات حول هذه الدروس في مختلف التخصصات.
شخصيات
لم تكن جامعة القرويين وجهة لطلبة العلم من أمصار شمال أفريقيا فقط، بل استقطبت طلابا من العالم العربي والغربي أيضا، كانوا يقبلون للتزود على يد علمائها وشيوخها والاستفادة من مكتبتها الضخمة التي ما زالت بعض مخطوطاتها صامدة حتى اليوم.
لقد مارس التدريس في رحاب الجامعة أعلام بارزون من قبيل ابن خلدون، وابن الخطيب، وابن باجة الذي يوصف بأنه كان نابغة في علوم كثيرة بينها الطب واللغة العربية. وتقول مصادر إن الفيلسوف ابن ميمون والمؤرخ المعروف الحسن بن الوزان الملقب بليون الأفريقي، درسا فيها.
ومن أوروبا، يحتفظ سجل الجامعة باحتضانها للطالب غربرت أورياك الذي أصبح البابا سلفستر الثاني (من 999 إلى 1003 للميلاد).
درس في القرويين كذلك الفقيه المالكي أبو عمران الفاسي، وابن البناء المراكشي، وابن العربي، وابن رشيد السبتي، وزارها الشريف الإدريسي ومكث فيها مدة، كما زارها ابن زهر مرات عديدة، ودوّن في رحابها النحوي ابن آجروم كتابه المعروف في النحو.
أقرأ أيضاً : أهمية الأنشطة الرياضية في المدرسة – المدرسة ليست للتعليم فقط
